سيكولوجية الطفل: كيف يفكر؟ ولماذا يرى العالم بطريقة مختلفة؟

 سيكولوجية الطفل: كيف يفكر؟ ولماذا يرى العالم بطريقة مختلفة؟





منذ اللحظة الأولى التي يبدأ فيها الطفل باستكشاف العالم من حوله، يتكوّن لديه عالم داخلي مليء بالأسئلة والمشاعر والانطباعات. هذا العالم لا يشبه عالم الكبار، ولا تُقاس تصرفاته بالمنطق الذي نتعامل به نحن البالغون. لهذا، كثيرًا ما يُساء فهم الأطفال لأننا نقيس سلوكهم بمعايير الكبار، بينما هم ببساطة يرون الأشياء بعيونهم الخاصة، ويفكرون بطريقة مختلفة جذريًا.


في هذا المقال، نأخذك في جولة داخل عقل الطفل، لنكشف أسرار سيكولوجيته، وكيف تتكوّن شخصيته منذ سنواته الأولى.



الطفل لا يفصل بين الخيال والواقع


في عالم الطفل، لا توجد حدود واضحة بين الحقيقة والخيال. فهو قد يتحدث عن صديق وهمي كما لو كان موجودًا فعلًا، أو يخاف من "الوحش" تحت السرير، ويشعر بالخطر الحقيقي منه. هذه الخيالات ليست كذبًا، بل جزء من تطور دماغ الطفل وقدرته على الإبداع والتخيل.


هنا يأتي دور الأهل في التعامل برفق مع هذه التصورات، لا بالسخرية أو التقليل منها، بل بمحاولة توجيهها بلطف نحو الفهم والطمأنينة.



الطفل يتعلم من خلال المحاكاة


الطفل في سنواته الأولى لا يفهم التعليمات النظرية كما يفهمها الكبار. بل يتعلم من خلال "المشاهدة والتقليد". فهو يقلد حركات والديه، كلماتهم، وحتى نبرة أصواتهم. إذا نشأ في بيئة تتعامل بالصراخ أو التوتر، سيتعلم نفس السلوك. وإذا رأى المحبة والهدوء، سيتبناها تدريجيًا.


وهذا يجعل مسؤولية التربية أكثر عمقًا: لأنك لا تعلّم طفلك فقط بما تقوله، بل بما تفعله.



العاطفة أولًا... ثم العقل


في المرحلة العمرية المبكرة، تسيطر العاطفة على سلوك الطفل أكثر من المنطق. إذا بكى، فليس لأنه "يريد الإزعاج"، بل لأنه لم يجد وسيلة أخرى للتعبير. وإذا غضب، فغالبًا لأنه لم يستطع التعامل مع مشاعر جديدة لا يفهمها بعد.


فهم هذه الحقيقة يساعد الآباء والمربين على التفاعل مع الطفل بمزيد من الصبر، ويُجنّبهم استخدام أساليب خاطئة مثل التهديد أو العقاب العنيف.


الشعور بالأمان هو الأساس


من أهم الحاجات النفسية لدى الطفل هو الشعور بالأمان. هذا لا يقتصر فقط على الأمان الجسدي، بل النفسي والعاطفي أيضًا. عندما يشعر الطفل أن هناك من يفهمه، ويحبه دون شروط، ويتقبله حتى في لحظات ضعفه، تتكون بداخله شخصية قوية ومتزنة.


أما إذا كبر وهو يشعر بالخوف أو التهديد أو النبذ، فقد يُظهر سلوكيات دفاعية مثل العناد أو العدوانية أو الانطواء.



الطفل ذكي... لكن بطريقته الخاصة


من الخطأ أن نعتقد أن الطفل لا يفهم لأنه صغير. الطفل يملك ذكاءً فطريًا يجعله يلاحظ التفاصيل، ويخزّن التجارب، ويكوّن استنتاجات بطريقة عفوية. بل إن السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل تُعدّ من أكثر الفترات تأثيرًا في تشكيل شخصيته المستقبلية.


الذكاء العاطفي، والقدرة على التواصل، وحتى احترام الذات... كلها تبدأ في هذه المرحلة الحساسة.



لا تستخف بمشاعر الطفل


عبارات مثل: "لا تبكِ، هذا لا يستحق" أو "أنت تبالغ" قد تبدو عادية للكبار، لكنها تجرح الطفل أكثر مما نتخيل. عندما يحزن الطفل على كسر لعبته أو على موقف بسيط، فإنه يعيش الحزن بكل طاقته، وكأن العالم انهار. لهذا، احترام مشاعره، والجلوس معه لفهمها، هو أول درس يمنحه الثقة بنفسه.




في الختام


سيكولوجية الطفل ليست معقدة كما نتصور، لكنها مختلفة تمامًا عن سيكولوجية البالغين. الطفل كائن نقي، يرى العالم بعيني براءته، ويختزن كل تجربة في عمق ذاكرته. نحن لا نربي فقط، بل نضع حجر الأساس لشخصية إنسان سيتعامل مع الحياة يومًا ما.


فكل كلمة، وكل تصرف، وكل لمسة حنان أو قسوة... تُسجَّل في ذاكرة الطفل، وتصنع منه ما سيكون عليه لاحقًا.

تعليقات